لمقدمة:
ما هي السياسة؟
هذا السؤال ليس من السهل الإجابة عليه علميا فعلى الرغم من أن كثيرا من الناس يخوضون في السياسة أو يناقشون موضوعات من صميم السياسة وغالبا ما يطرحون أراء سياسية ويملكون معلومات عنها إلا أنهم يجهلون التحديد القاطع لماهية السياسة.
وعندما يسألون عن تعريف السياسة تخذلهم القدرة على تقديم إجابة دقيقة ومحددة، فالسياسة بالنسبة لبعضهم مرادف لكلمة حكومة وبالنسبة للبعض الأخر هي الصراع على السلطة وتعنى لبعض ثالث المفاوضات وتسوية الخلافات وهى بالنسبة لفريق رابع تعنى الانتهازية والنفاق …الخ
لكن التعريف العلمي يتطلب اجتهادا أعمق ومعرفة أوسع.
والواقع فان هناك عدد من الاجتهادات في هذا المجال وان كان لا يوجد إجماع من الباحثين على تعريف واحد وشامل وجامع.


تعريف العلم:
العلم هو مجموعة المبادئ و القواعد التي أثبتت التجارب صحتها و التي تتعلق بجانب ما معين من جوانب الحياة المتعددة.

اذن تعريف علم السياسة:
مجموعة المبادئ و القواعد التي أثبتت التجارب صحتها و التي تتعلق بالسياسة.
….. و لكن ما هي السياسة؟


تعريف السياسة:

لغوياً :
اشتقت كلمة سياسة من كلمة ” ساس” الأمر أي قام بالأمر وبالتالي تعني كلمة سياسة القيام بأمر من أمور الناس بما يصلحه و الأمر هو الحكم أو الرئاسة.
و باللاتينية تعني تدبير شئون الدولة.

اما من الناحية الاصطلاحية فمن أبرز تعريفات السياسة:
- السياسة هي العلاقة بين الحكام والمحكومين.
- السياسة هي الدولة وكل ما يتعلق بها من شئون مختلفة.
- السياسة هي السلطة الكبرى في المجتمعات الإنسانية وكل ما يتعلق بظاهرة السلطة.

والمقصود بالسلطة هو قدرة طرف معين على جعل طرف ثان يعمل أو يمتنع عن ما يريده الطرف الأول سواء أراد الطرف الثاني أو لم يرد.
والسلطة بهذا المعنى تمارس من جانب الأب على أبنائه، والمدير على موظفيه…الخ، والحكومة على مواطنيها فيما يعرف بالسلطة السياسية.

ما الذي يميز السلطة السياسية عن غيرها من السلطات؟
- عامة: تشمل قراراتها وتلزم كل المجتمع.
- تحتكر وسائل الإكراه الرئيسية في المجتمع كالجيش والسلطة.
- تحظى بالشرعية أي قبول المحكومين واعترافهم بها كمرجع أعلى سواء كان ذلك عن رضاء أو كراهية.


يمكن أن نلخص تعريف علم السياسة بأنه مجموعة المبادئ والقواعد التي اثبت التجارب صحتها والتي تتعلق بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم، أو بالدولة، أو بظاهرة السلطة السياسية.

وتجدر الإشارة هنا إلى واحد من أشهر التعريفات التي تقدم لعلم السياسة وهو تعريف ” ديفيد ايستون ” لعلم السياسة حيث يعرفه بأنه:
” هو دراسة عملية التوزيع السلطوي للقيم المختلفة (مادية كانت أو معنوية) من اجل المجتمع “.


مجالات علم السياسة:

1- النظرية السياسية والفكر السياسي، وإن كان الاتجاه الحديث يهدف إلى الفصل بينهما في مجالين مستقلين.
2- النظم السياسية وتشمل دراسة الدستور والتنظيمات السياسية الرسمية (السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية) والتنظيمات السياسية غير الرسمية (الأحزاب وجماعات الضغط والرأي العام) إلى جانب دراسة أنواع الحكومات والدول المختلفة والمقارنة بينها.
3- العلاقات الدولية وتشمل إلى جانب دراسة العلاقات بين الدول والفواعل الدولية الأخرى المختلفة وأنماط تلك العلاقات من صراع وتعاون، تشمل دراسة النظام الدولي وأنواعه والتنظيم الدولي إلى جانب السياسة الخارجية.

علاقة علم السياسة بالعلوم الأخرى:
هناك علاقة وطيدة تربط علم السياسة بالعلوم الأخرى خاصة الاجتماعية منها مثل الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد والاجتماع والقانون…الخ.

وفيما يلي نعطى بعض الأمثلة على ذلك الترابط القوى بين علم السياسة وبعض تلك العلوم.

أ- علاقة علم الاقتصاد بعلم السياسة:

يرتبط علم السياسة بعلم الاقتصاد برباط قوي وإذا كان البعض يرى بتبعية الاقتصاد للسياسة فإن هناك من يرى بتبعية السياسة للاقتصاد.
ولكن ما أثبتته الكثير من الدراسات هو أن هناك علاقة تفاعلية متبادلة بينهما فمن يستطيع أن ينكر أن الازدهار الاقتصادي يساعد على تحقيق الاستقرار السياسي وان العكس هو في ذات الوقت صحيح.
وجدير بالذكر أنه يتم الآن تدريس مادة الاقتصاد السياسي والاقتصاد السياسي الدولي كمواد أساسية في كل من أقسام الاقتصاد وأقسام السياسة بالجامعات المختلفة كدليل على عمق الارتباط بينهما.

ب- علاقة علم الاجتماع بعلم السياسة:

- يرتبط علم السياسة بروابط متينة بعلم الاجتماع فكلاهما يدرس الإنسان ولكن من زاويتين مختلفتين فالسياسة تهتم بدراسة الإنسان من الجانب السياسي فتهتم بعلاقته بحكومته أو بالتنظيم السياسي الذي ينتمي إليه…الخ أما علم الاجتماع فيهتم بدراسة هذا الإنسان نفسه من الزاوية الاجتماعية فيهتم بعلاقته بأسرته بأصدقائه …الخ.
- إلا أن هناك نقطة اتصال بين العلمين حتى أن هناك مادة الاجتماع السياسي والتي تعنى بالتنشئة السياسية للإنسان من خلال مؤسسات المجتمع المختلفة.


ج- علاقة علم الجغرافيا بعلم السياسة:

- تعد الجغرافيا من العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية والسياسات الخارجية للدول، كما تمثل احد العناصر المحددة لقوة الدولة.
- وفى ضوء ذلك فان مادة الجغرافيا السياسية أو الجيوبوليتكس إنما تعكس ذلك الترابط القوى بين الفرعين وتتضمن العديد من النظريات التي تؤكد تلك العلاقة القوية.

- يعرف منهج البحث بأنه ” الطريق المؤدى إلى اكتشاف الحقيقة من خلال مجموعة من القواعد التي تسير العقل وتحدد عملياته ليصل إلى النتائج المطلوبة “.
- والباحث في أي فرع من فروع العلم في حاجة إلى منهج يسترشد به من اجل أن يقوده لاكتشاف الحقيقة أو التأكد من صحة أفكار قديمة أو تحديد طبيعة العلاقات السببية التي تربط بين المتغيرات المختلفة.
- ومن ثم فان الباحث أيضا في إطار علم السياسة يحتاج لمثل هذا المنهج.

أهم المناهج المستخدمة في علم السياسة:

1- المنهج التقليدي:

وهو منهج قديم يقوم على أساس الاهتمام بوصف ودراسة وتحليل الجوانب الرسمية والشكلية والقانونية للحياة السياسية، والاهتمام كذلك بالموضوعات ذات الأبعاد القيمية كالفلسفة السياسية.

مثل: دراسة القوانين والدساتير المعمول بها في الدول ووصف الكيفية التي تعمل بها المؤسسات السياسية في الدولة وتتبع التطور التاريخي لتلك المؤسسات.

وجهت انتقادات عديدة لهذا المنهج من أهمها:

- حصره الاهتمام في دراسة الظاهرة السياسية على الدولة ومؤسساتها فقط.
- استبعاد السياسة غير الرسمية رغم أنها تمثل جزء هاماً من موضوع الدراسة مما يؤدى إلى نتائج تبعد عن الشمولية.
- يتهم هذا المنهج بأنه غير علمي ومفاهيمه ونظرياته بدائية.


2- المنهج السلوكي :

حظي هذا المنهج بشعبية واسعة بعد الحرب العالمية الثانية وهدف رواده تقديم بديل منهجي لدراسة العلوم السياسية أكثر علمية من المنهج التقليدي.
يهتم هذا المنهج بالجوانب غير الرسمية في الظاهرة السياسية وكيف يسهم السلوك غير الرسمي في التأثير على صنع القرارات السياسية.
يهتم بدراسة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرها على الظاهرة السياسية.
يهتم المنهج السلوكي بالملاحظة كأداة أساسية لجمع المعلومات واكتشاف الحقيقة .
يهتم بالتركيز على ما هو كائن وليس ما ينبغي أن يكون.
الاهتمام بالطرق العلمية لتفسير الظواهر السياسية ، حيث يهتم أنصاره بصياغة الفروض واستخدام الطرق الكمية لاختبارها ومحاولة الوصول إلى انساق محددة للسلوك السياسي.

أهم الانتقادات للمنهج السلوكي:

أنه بتركيزه على الطرق الكمية في التحليل يتجه للاهتمام بالموضوعات التي يمكن دراستها بتلك الطرق على الرغم من أنها قد تكون أقل أهمية من موضوعات أخرى ذات أهمية أكثر ولكن لا يمكن دراستها بتلك الطرق.
أن علم السياسة يتعامل مع البشر ومن ثم يندر الوصول إلى أنماط للسلوك السياسي وقوانين متماثلة لهذا السلوك كما هو الحال في العلوم البحتة.
أن التنبؤات التي تسعى السلوكية للوصول إليها لا يمكن أن تصل في دقتها إلى مستوى دقة التنبؤات في العلوم الطبيعية فلكل إنسان ولكل مجتمع خصوصيته المتفردة التي يصعب معها الوصول إلى تلك التنبؤات الدقيقة.

3- المنهج التوفيقي أو ما بعد السلوكية:

جاء ظهور هذا المنهج كرد فعل على الانتقادات التي وجهت للمنهج السلوكي، ويقول أنصار هذا المنهج انه من الأفضل الجمع بين المنهجين التقليدي والسلوكي انطلاقاً من حقيقة مفادها أن المواضيع المختلفة تتطلب مناهج مختلفة، ومن ثم ينبغي البحث عن منهج يجمع ايجابيات كل من المنهج التقليدي والسلوكي.
في هذا الإطار يتفق أنصار المنهج التوفيقي مع المنهج التقليدي على أهمية إعطاء الجانب القيمي ما يستحق من التركيز في الدراسات السياسية.
ومن ناحية أخرى يتفقون مع المنهج السلوكي في تأكيدهم على أهمية المنهجية العلمية ومحاولة الارتقاء بمستوى صدقية البحوث السياسية، ومن ثم فهو يحاول الجمع ما بين الاهتمام بالموضوع والمنهجية في ذات الوقت.

4- منهج النظم:

- هذا المنهج يعتبر أن سياسة أي دولة هي المحصلة النهائية للتفاعل بين البيئة والنظام السياسي في هذه الدولة.
- يقوم هذا المنهج على أساس أن النظام السياسي في أي دولة يعمل في إطار بيئة داخلية وخارجية تقدم له مدخلات تشتمل على مطالب وتعبر عن قدر معين من التأييد وان هذا النظام يتفاعل مع تلك المدخلات ويقوم بالاستجابة لتلك المدخلات من خلال مخرجات تتمثل في قرارات وقوانين تعود مرة ثانية إلى بيئة النظام التي تتفاعل بدورها مع تلك المخرجات إما ايجابيا فيعود ذلك في صورة تأييد للنظام أو سلبيا فيعود ذلك في صورة مطالب للنظام وهى العملية التي تعرف بالتغذية الاسترجاعية أو رد الفعل الاسترجاعى.

وفيما يلى نعرض شكل توضيحى للاطار التحليلى الذى قدمه ديفيد ايستون فى هذا المجال:

انتقادات منهج النظم:
من الانتقادات التي توجه إلى منهج النظم:
- اتهامه بأن النموذج الذي بني عليه لم يحدد أي أجزاء النظام يمثل مركز التأثير .
- صعوبة إن لم يكن استحالة توقع الأثر الزى يتركه التغيير في جزء ما في هذا النظام على جزء أخر.


5- المنهج الوظيفي البنيوي:

وفقاً لهذا المنهج فان أي نظام سياسي إنما يهدف إلى بقائه واستقراره وتوازنه وان ذلك يتحقق من خلال قيامه بمجموعة من الوظائف وكلما ارتفع مستوى أداء النظام لتلك الوظائف كلما كان ذلك مؤشرا على سلامة وضعه واستقراره وتطوره السياسي والعكس صحيح.
وأنصار هذا المنهج وعلى رأسهم جبريل الموند اعتبروا أن النظم الغربية وفى مقدمتها الولايات المتحدة هي القدوة في مجال التطور السياسي وأداء الوظائف التي تساهم في هذا التطور .وما على الآخرين إلا إتباع هذا النموذج لتحقيق التطور وهو الأمر الذي ينتقده الكثيرون باعتباره احد المطالب الأساسية لهذا المنهج الذي يمثل أصحابه واتجاهاتهم الأيديولوجية.

أهم الانتقادات التى توجه اليه:

غموضه وعجزه عن ايضاح شكل العلاقة بين البنى السياسية والوظائف التى تقوم بها.
تحيز جبريل الموند الذى اقترن اسمه بهذا المنهج للتطور بالمفهوم الغربى واعتبار النظم الليبرالية فى الغرب خاصة فى الولايات المتحدة قدوة للدول الاخرى فى مجال تطورها السياسى وهذا ليس صحيحا بالضرورة.

6- منهج الاقتصاد السياسي:

يؤكد هذا المنهج على العلاقة الوثيقة بين الاقتصاد والسياسة فالاقتصاد يتعلق بالنزاع على الموارد المحدودة في حين تتعلق السياسة بالقرارات حول هذه الموارد والمتعلقة بالإنتاج والتوزيع.
والعلاقة كما سبق ذكره هي علاقة تفاعلية متبادلة فكل من الاقتصاد والسياسة يؤثر ويتأثر بالآخر.

المرجو الرد